فصل: 78 الآية السابعة عشرة منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال في سورة الشعراء مكان قولهك {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم} الأعراف: 109. {قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم* يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون* قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين* يأتوك بكل سحار عليم* فجمع السحرة}. الشعراء: 34-38.
للسائل أن يسأل في هذه القصة عن مسائل: أولها: قوله في سورة الأعراف 109-110. {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم* يريد أن يخرجكم من أرضكم} ثم قال في سورة الشعراء 34. {قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم}.
فأخبر في الأولى أن قائل ذلك الملأ من قومه وفي الثانية أن فرعون هو القائل ذلك لملئه، وهذا اختلاف ظاهر في الخبرين؟
والجواب أن يقال: إن قول الملأ فيما حكاه الله تعالى في سورة الأعراف قول فرعون، أداه عنه رؤساء قومه إلى عامة اصحابه، والدليل على أن ذلك قوله، وأنهم فيه مؤدو رسالة عنه قول العامة في جوابه: {أرجه وأخاه} الأعراف: 111، فكان هذا خطابا لفرعون ولم يكن للملأ، إذ لو كان لهم لكان: أرجوه وأخاه وإذا كان كذلك لم يخالف ما قاله في الشعراء من أنه: {قال للملأ حوله} الشعراء: 34 بل يكون هو البادئ بذلك لمن حوله ليؤدوا إلى من بعد عنه قوله.
فإن قال قائل: فكيف اختصت سورة الأعراف بحكاية ما قال الملأ، وسورة الشعراء بما قاله فرعون؟
قيل: إن أول من رد قول موسى عليه السلام فرعون، ثم مالأنه عليه ملؤه، وهو ما حكاه الله تعالى في سورة الشعراء واقتص حاله حيث أخبر عنه بما قاله: {ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين} الشعراء: 18. إلى أن انتهت الآيات إلى القصة المودعة ذكر السحرة، فقل فرعون للملأ حوله ما أدوه عنه إلى غيرهم، وسورة الشعراء مكية كسورة الأعراف، وترتيب الاقتصاص يقتضي أن تكون قبلها، وفي السورة الثانية أخبر عما أداه عنه ملؤه إلى الناس الذين أجابوه بأن {أرجه وأخاه} فكان قول فرعون للملأ حوله سابقا قول الملأ الذين أدوا إلى غيرهم قوله، فذكر حيث قصد اقتصاص أول من دعاء موسى عليه السلام إلى طاعة الله تعالى.

.78 الآية السابعة عشرة منها:

قوله تعالى فيها: {يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون} الأعراف: 110.
وقوله في سورة الشعراء 35: {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون}.
للسائل أن يسأل فيقول: ذكر في الآية الأولى: أنه قال: {يريد أن يخرجكم من أرضكم} فحسب، وذكر في الثانية أنه قال: {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره} والقول واحد، فلماذا اختلف؟
والجواب أن يقال: لما أسند الفعل في سورة الشعراء إلى فرعون، وحكى ما قاله وأنه قال للملأ حوله من قومه {إن هذا لساحر عليم} الشعراء: 34 وكان أشهدهم تمردا وأولهم تجبرا، وأبلغهم فيما يرد به الحق، كان في قوله: {يريد أن يخرجكم من أرضكم} ذكر السبب الذي يصل به إلى الإخراج، وهو {بسحره} فأشبع المقال بعد قوله: {إن هذا لساحر عليم} بأن ذكر أنه {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره}.
وأما الموضع الذي لم يذكر فيه {بسحره} فهو ما حكى من قول الملأ في سورة الأعراف، حيث قال: {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم* يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون} الأعراف: 109-110 والملأ لم يبلغوا مبلغ فرعون في إبطال ما أورده موسى عليه السلام، ولم يجفوا في الخطاب جفاءه، فتناولت الحكاية ما قاله فرعون على جهته بتكرير لفظ السحر من فعله بعدما أخرجه بصفته حيث قال: {إن هذا لساحر عليم}.
فإن قال قائل: فقد ذكر الله عز وجل في سورة طه 63 عن الملأ أنهم: {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى}.
قيل له: قوله تعالى: {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى* قالوا إن هذان لساحران} طه: 62-63 خبر عن فرعون وملئه فلما كان من جملتهم غلب أمره على أمرهم، ألا ترى أن ابتداء ذلك: {ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى} طه: 56 وهذا خبر عن فرعون، ثم بعده: {قال أجأتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى* فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى* قال موعدكم يوم الزينة} طه: 57-59 وهو خطاب لفرعون ومن تبعه، ويجوز أن يكون له وحده على ما يخاطب به الملوك من لفظ الجمع كما يخبرون بمثله عن أنفسهم، فذكر قوله: {بسحره} فيما حكاه من كلام فرعون، فلذلك خلا منه الموضع الذي كان الخبر فيه عن الملأ عن قومه. فاعلمه إن شاء الله تعالى.

.79 الآية الثامنة عشرة منها:

قوله تعالى: {قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين} الأعراف: 111.
وقال في سورة الشعراء 36: {قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين}.
للسائل أن يسأل فيقول: لأي معنى اختلف اللفظان في الآيتين، فكان في الأولى أرسل وفي الثانية وهل يجوز أحدهما مكان الآخر؟
والجواب أن يقال: اللفظتان نظيرتان، تستعمل إحداهما مكان الأخرى، وقد جاء: بعث الرسول، وأرسله معا، إلا أن أرسل يختص بما لا يختص به بعث لأن البعث لا يتضمن ترتيبا، والإرسال أصله: تنفيذ من فوق إلى أسفل.
وأرسل في سورة الأعراف حكاية قول العامة للملأ المؤدين كلام فرعون إليهم، فلما تعالى عليهم ولم يخاطبهم بنفسه كان قولهم في جواب ما استأ مرهم فيه واستشارهم في فعله على الترتيب الذي رتب لهم في الخطاب، فكانت الحكاية باللفظ الذي يفخم به المخاطب، كما خفم في تحميله ملأه أن يؤدوا كلامه إلى من دونه.
ولما تناولت الحكاية في سورة الشعراء ما تولاه فرعون بنفسه من مخاطبة قومه بإسقاط الحجاب بينهم وبينه، وتسوية قدره، لقوله: {قال للملأ حوله} الشعراء: 34 كان هذا الموضع مخالفا للموضع الأول في مقتضى الحال من التفخيم، فخص باللفظ الذي ليس فيه ما في الأول من التعظيم، وهو قوله: {ابعث}.

.80 الآية التاسعة عشرة منها:

قوله تعالى بعد ما قال: {يأتوك بكل ساحر عليم} الأعراف: 112 {وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا} الأعراف: 113.
وقال في سورة الشعراء بعد: {بكل سحار عليم} الشعراء: 37 {فجمع السحرة لميقات يوم معلوم* وقيل للناس هل أنتم مجتمعون* لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين* فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا} الشعراء: 38-41.
لسائل أن يسأل فيقول: المحكى في الشعراء أكثر من المحكى في سورة الأعراف بعد قوله: {يأتوك بكل سحار عليم} إلى أن انتهى قوله تعالى إلى ما هو خبر عن السحرة من قولهم لفرعون: {أئن لنا لأجرا} الشعراء: 41؟
والجواب ما دللنا عليه من أن ما في سورة الشعراء أشد ابتداء مبعثه إليه حيث قال: {وإذ نادى ربك موسى أن إئت القوم الظالمين* قوم فرعون ألا يتقون} الشعراء: 10-11.
فجاء في هذه الآيات التي في ذكر السحرة من بيان ما جرى ما لم يجيء في التي في سورة الأعراف، فمنه قول الله تعالى: {فجمع السحرة لميقات يوم معلوم} الشعراء: 38 كما قال في سورة طه 57-59: {قال أجأتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى* فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى* قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى} فهذا هو قوله: {فجمع السحرة لميقات يوم معلوم} الشعراء: 38.
وفي سورة الأعراف لما لم تبدأ القصة فيها بذكر مبعثه عله السلام، وابتداء أمره لم تكن مبنية على ما بنيتا عليه من اقتصاص معظم حاله، وأول ما كان من مبعثه حيث يقول: {اذهب إلى فرعون إنه طغى* قال رب اشرح لي صدري* ويسر لي أمري} طه 24-26.
فلما كان القصد في سورة الأعراف ذكر الجمل من بعض ما كان، لا ذكر تفصيله، كان الاقتصار بعد ذكر إرسال الحاشرين إلى السحرة، ومجيئهم يغني عن ذكر توعدهم ليوم يظهرون فيه حيلهم وتمويهاتهم، إذ معلوم أن مثل ذلك الخطب الجسيم، وحشر العدد الكثير ينتهي إلى يوم يتواعد إليه مشهود، وعلى هذا يبني الكلام في أكثر متشابه هذه القصة.

.81 الآية العشرون منها:

قوله تعالى في الآية التي قبل: {وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين} الأعراف: 113.
وقال في سورة الشعراء 41: {فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين}.
للسائل أن يسأل فيقول: كيف اختلفت الآيتان، وكيف جاز: {وجاء السحرة فرعون قالوا} وحق الكلام أن يكون في قالوا واو أو فاء، نحو جاء السحرة فرعون فقالوا أئن لنا لأجرا، أو وقالوا؟
والجواب أن يقال: لما تقدم في سورة الشعراء ما شرحه أكثر وما في سورة الأعراف أوجز وأخصر، كان قوله في الأعراف: {وجاء السحرة فرعون} بمعنى ما كان بإزائه في سورة الشعراء: {فلما جاء السحرة} فلم يحتج في جواب لما إلى فاء ولا إلى واو، وكذلك هنا في سورة الأعراف، لما قصد هذا المعنى دل بحذف العاطف على هذا القصد، فكأنه قال: فلما جاء السحرة فرعون قالوا أئن لنا لأجرا.

.82 الآية الحادية والعشرون منها:

قوله تعالى: {قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين* قال نعم وإنكم لمن المقربين} الأعراف: 113-114.
وقال في سورة الشعراء 42: {قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين}.
للسائل أن يسأل عن زيادة إذا في سورة الشعراء، وخلو سورة الأعراف منها؟
والجواب أن معنى قوله إذا جواب وجزاء، وكان من قول فرعون لهم: إن غلبتم فجزائي أن أجازيكم بإعلاء رتبتكم، وتقريب منزلتكم، لأنها موضع بني على فصل اقتصاص لما جرى، لم يبن غيرها عليه من نحو ما تقدم وما يجيء.

.83 الآية الثانية والعشرون منها:

قوله تعالى: {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين} الأعراف: 115.
وقال في سورة طه 65: {قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى}.
للسائل أن يسأل عن اختلاف المحكي في الموضعين مع ذلك في شيء واحد؟
والجواب أن يقال: أن المقصود معنى واحد، فاختير في سورة الأعراف: {.. وإما أن نكون نحن الملقين} لأن الفواصل قبله على هذا الوزان، واختير في سورة طه: {وإما أن نكون أول من ألقى} لذلك.
ومثله قوله تعالى: {وألقي السحرة ساجدين} في سورة الأعراف 120 وسورة الشعراء 46 لتكون الفاصلة فيهما مساوية للفواصل قبلها، وبإزاء {ساجدين} قوله: {فألقى السحر سجدا} في سورة طه 70 لذلك.
ومثله قوله تعالى: {قالوا آمنا برب العالمين* رب موسى وهارون} في السورتين للفواصل التي حملت هذه عليها. وقال في سورة طه 70: {.. قالوا آمنا برب هارون وموسى} فقدم هارون ليكون موسى فاصلة مثل الفواصل المتقدمة.
فهذا ونحوه مما يراعى الفواصل، ألا ترى إلى قوله تعالى: {... وأطعنا الرسولا} و{فأضلوا سبيلا} فزيدت الألف، لا للبدل من التنوين، إذ لا تنوين مع الألف واللام، وإنما ذلك للتوفقه بينهما وبين الفواصل التي قبلها وبعدهما، نحو {تقتيلا} و{وتبديلا} و{وقريبا} و{سعيرا} و{نصيرا} وبعدهما: {كبيرا} و{وجيها} و{سديدا} و{عظيما}.

.84 الآية الثالثة والعشرون منها:

قوله تعالى: {قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون} الأعراف: 121-122.
وقال في سورة الشعراء 47-48 مثله.
وقال في سورة طه 70: {... قالوا آمنا برب هارون وموسى}.
للسائل أن يسأل فيقول: لم كرر ذكر رب في السورتين ولم يكرره في سورة طه، وإنما قال: {قالوا آمنا برب هارون وموسى}؟
والجواب أن يقال: إذا قيل: {رب العالمين} فقد دخل فيهم موسى وهارون وهما دعوا إلى رب العالمين لما قالا: {.. إنا رسول رب العالمين} الشعراء: 16 إلا إنه كرر في السورتين: {رب موسى وهارون} ليدل بتخصصهما بعد العموم على تصديقهم بما جاءا به عليهما السلام عن الله تبارك وتعالى، فكأنهم قالوا: آمنا برب العالمين، وهو الذي يدعو إليه موسى وهارون.
وأما في سورة طه فلم يذكر رب العالمين لأنه كان الكلام يتم به آية كما ثم في السورتين، فيكون مقطع الآية فاصلة مخالفة للفواصل التي بنيت عليها سورة طه، فقال تعالى: {آمنا برب هارون وموسى} وربهما هو رب العالمين، وكان القصد حكاية المعنى لا أداء اللفظ على جهته كما دللنا عليه قبل.